طقوس الشتاء.. دفء البيوت الإماراتية



تحقيق: عائشة خمبول الظهوري

شتاء البيوت الإماراتية يعتبر وقتاً مميزاً ومريحاً، إذ إنه يحمل طابعاً تراثياً مع أطعمته ومشروباته الساخنة، وبالأخص من ناحية طرق التدفئة، سواء قديماً، أو حديثاً.

يستقبل الإماراتيون الشتاء بقلب دافئ، ومعدة باردة، تتعطش للمأكولات والمشروبات الساخنة، فلا يُعتمد نوع واحد من الأطعمة، بل تستعار وصفات عربية لتضاف إلى مائدة الليالي الباردة، فهناك، مثلاً، «أم علي»، وهي حلوى مصرية الأصل، ولكن تضاف إليها لمسات التراث الإماراتي من طبقات هيل وزعفران وتمر، وزبدة مذابة بين رقائق العجين الدافئ، في حين تتعدد طرق تحضيرها الآن، خاصة مع استبدال العجين بالبسكوت المحضر مسبقاً وذلك لتجهيزه بوقت أوجز.

وهناك «السحلب» الحلو، وهو شراب شتوي رائج في الشرق الأوسط، خاصة في الإمارات، وهو مزيج من الحليب والماء والنشاء والسكّر، إضافة للقرفة، وهي خلطة معززة للمناعة وتمنح الجسم الطاقة اللازمة التي يفقدها شتاء.

وعلى الرغم من التقدم الحاصل في الإمارات وتوفر وسائل التدفئة الحديثة، والمنازل الفخمة، إلا أن الطقس البارد في هذا الوقت من العام لا يزال يحمل ذكريات وتحديات في قلوب الأجداد لمواجهة الطقس البارد، ضمن وسائل محدودة، وسط منازل متواضعة، وخيام متنقلة لتصبح تلك الذكريات رواية أصيلة للأجيال الجديدة.

تسترجع الجدة عائشة المرزوقي لياليها الدافئة في الشتاء بالقرب من أحفادها وسط «حوش» المنزل قائلة: «في زمان أول كنت أوري الضو (أجهز الفحم)، وأشعل النار في «الدوّه»، وهو مكان لوضع الفحم، سواء للتدفئة أو الطهي، ويوضع غالباً في «الحوش»، وهو المكان المفضل للجدة عائشة، لأنه كان يشعرها بالشتاء فعلاً مع هبوب النسيم البارد الذي يجعلها تغفو على بلاطها بالقرب من «الدوّه». وكانت تبدع في تنوع أكلاتها التراثية طوال السنة، خاصة في فصل الشتاء، فهي تفضل صنع خبز الخميرة المزين بالدبس الحلو، وخبز الرقاق الطازج الذي يخرج من «التاوة» الساخنة إلى المعدة المرتجفة.

وأشارت إلى أهمية وجود الزعفران في الشاي والزنجبيل، لتدفئة صغارها وكبارها، إضافة للشاي «السنقيني»، وهو عبارة عن حبوب من النوع الأسود، ويمزج بعد إعداده مع الزعفران وقليل من السكّر.

وبالنسبة للشواء، تتصدر الكستناء والذرة مقدمة الأكلات السريعة في هذا الفصل تحديداً، لسهولة تجهيزها وبقائها ساخنة لمدة طويلة، ويفضل طهيها في نهاية اليوم، حيث يكون الفحم اشتعل جيداً وأصبح عشاً لهذه المقبلات الصغيرة.

وبعيداً عن الأكلات المحلاة والمشوية، توجد أكلة مفضلة في الشتاء في منزل راشد الظهوري وهي «المضروبة»، ولها من اسمها نصيب، فكما وصفها هي عبارة عن عيش (أرز) ممزوج مع «الصالونة»، المكونة من لحم أو دجاج، وهي تشابه «الهريس»، مع إضافة البهارات، والقليل من الفلفل الحار، ليغير درجات حرارة جسم الإنسان في هذا الجو البارد.

حضن دافئ

بالنسبة لملابس الشتاء في الإمارات، فإن الفرو لا يعد مناسباً في هذا الفصل، لأن درجات الحرارة لا تصل إلى مستويات منخفضة جداً، فضلاً عن أنه قد يبدو مزعجاً، وغير مريح، إلا أن حصة أحمد لها رأي آخر.

هي ترى الفرو حضناً دافئاً لصغارها، وتقول: «ألبستهم ما لم ألبسه لابني البكر، فقد كان في طفولته يرتدي معطفه على الكندورة، ويضع الغترة على رأسه، أما الصغار فوجدت لهم الفرو الجديد الذي اكتسح الأسواق مؤخراً، ويغطي الجسم من الكتفين حتى الرجلين»، إضافة لذلك، هناك أحجام مختلفة فهو متوفر للكبير قبل الصغير. ومن وجهة نظرها، فإن الفرو يناسب الذكور فقط، نظراً لتصميمه الرجالي المستوحى من الغترة الشتوية.

وبالحديث عن الغترة الشتوية فهي ثقيلة، ومتعددة الأشكال والألوان، إضافة إلى الكنادير التي تتنوع ألوانها بين البني والكحلي، وغيرهما من الألوان الغامقة، أو ما تسمى الدافئة.

لا تُرتدى الكنادير المعتادة في الشتاء، فالمخصصة له يجري اختيار أقمشتها بعناية، وأشهرها القماش الكشميري المستورد من باكستان والهند، وما يميزه نعومته وتدفئته، في آن واحد.

أنشطة متنوعة

تتعدد الفعاليات الخارجية في الشتاء، ولكن شباب الإمارات يفضلون قيادة الدراجات النارية على غيرها، حيث يظهر إبداعهم في تصميمها من ألوان وأشكال مختلفة، لتكون وسيلة تنقل شتوية تمنح راكبها «صفعات» باردة، كما هو الحال مع راشد النقبي، ودراجته التي يخرجها بداية كل شتاء من جحرها الدافئ. وذكر أن الشتاء الوقت المناسب لتشغيل تلك الدراجات لأن الطقس في هذه الفترة يحافظ على برودة المحركات، ما يجنبها حالات رفع الحرارة، ويتيح استخدام الدراجة لأطول فترة ممكنة.

وربط راشد سعادته في الشتاء بركوب الدراجات، مؤكداً أنه يمنحه تجربة شعور بالحرية الخالصة، الممزوجة بمتعة المناظر الطبيعية سواء في البر، أو الطريق المفتوح. لا تكتمل فعاليات الشتاء من دون التخييم في بر الإمارات، حيث استكشاف الصحراء والاستمتاع بمناظر الطبيعة المرفقة بعدة أنشطة، منها ركوب الخيل، ورحلات السفاري والشواء في ضوء النجوم.

ويعد التخييم في بقاع مختلفة من البر، فكرة راجحة لدى راشد النقبي، فإذا راودته فكرة تغيير الأجواء المنزلية، فكل ما عليه فعله هو حمل المعدات اللازمة والتوجه إلى أقرب وجهة في البر. ويضيف: هواء الشتاء البارد ينادي الجميع للتجمعات الخارجية من دون الشعور بالانزعاج والأصوات العالية، في حين الجلوس في المنزل وإقامة حفلات الشواء قد يزعجان الجيران.

وعلى الرغم من سهولة الوصول إلى بقاع مختلفة وقريبة للتخييم في فصل الشتاء، إلا أن ملاك الظنحاني تفضل التنقل بعيداً عن مدينتها، لتقضي الشتاء في أبوظبي وتقول: «يمضي الشتاء في مزرعة جدي التي تقع في العاصمة بشكل ممتع؛ فهي تستوعب جميع أفراد عائلتي، وتخلق جواً جديداً ومختلفاً عن المنزل».

وتجد ملاك الظنحاني في مزرعة جدها روح الحركة والفعاليات لوقوعها بجانب الشاطئ، فهي تقضي لياليها الشتوية بالقرب من المدفأة، ووسط حلقة من أفراد العائلة، يتصدرها الجد ليروي عليهم قصص الرعب المفضلة لديها، ولا يكتمل فصل الشتاء من دون طبخات جدتها الشهية وحلوياتها المتنوعة، كالكنافة السكرية، والأرز «البرياني» على الطريقة الهندية.

وعن استغلال اللحظات الجميلة، طرحت نادية الحمودي فكرة إقامة حفل الزفاف في قاعة خارجية بحكم تجربتها.

وأشارت تحديداً، إلى قاعة نادي الغولف في الشارقة لاحتوائها على مساحة خارجية واسعة، ووصفتها قائلة: إنها مكان واسع ومفتوح وساتر في الوقت ذاته، وكان عدد الحضور محصوراً بين المقربين والأصدقاء، وبالرغم من تواجد الحلويات والطعام في مكان مكشوف إلا أنه لم يفسد أي منهما، وأحدث هذا الحفل فارقاً بمناسباتهم المعتادة في القاعات الداخلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top