إخلاء «مجمع النصر الطبي» بعد تهديد إسرائيلي بالقصف


في غزة… فلسطينيون يروون معركتهم اليومية للصمود وسط نيران القصف

حياة أمل الربايعة اليومية معركة فعلية، فبعدما تمضي ليلتها مع آلاف النازحين الآخرين في مدرسة تابعة للأمم المتحدة بعد أن هُدم منزلها جراء قصف إسرائيلي، تنهض في الصباح الباكر للبحث عن ماء وطعام لعائلتها.

عند الساعة الثامنة صباحاً، تغادر أمل الربايعة البالغة من العمر 45 عاماً المدرسة التابعة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، (أونروا)، التي لجأت إليها مع زوجها وأطفالها الستة وزوجة ابنها وطفليها، متوجهة إلى أنقاض منزل العائلة المهدّم في رفح في جنوب قطاع غزة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

توضح أن مهمتها الأولى تقوم على «تدبر الدقيق لعمل الخبز… ما أن أفتح عيني أفكر ماذا وكيف سأطعم أولادي؟».

أمل الربايعة تصنع الخبز وسط أنقاض منزل العائلة الذي دمر في غارة إسرائيلية في رفح (أ.ف.ب)

ما أن يستيقظ، يسارع نجلها سليمان البالغ 24 عاماً إلى المخبز للحصول على رقم في الطابور الذي يتشكل، قبل أن ينطلق ليأخذ دوره أمام نقطة لتوزيع المياه.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بالكاد أنام الليل، ما إن يطلع الصباح… أذهب للحصول على رقم للدور من المخبز ثم أعود حين يبدأون بالبيع، ثم أذهب للوقوف في طابور لتعبئة غالون أو اثنين من الماء».

خبز وماء واستحمام كل بضعة أيام

يوضح: «يستغرقني ذلك إن كنت محظوظاً ساعتين، لكن غالباً يصل الأمر لأربع أو خمس ساعات».

لكن الانتظار الطويل لا يفضي إلى نتيجة بالضرورة.

تؤكد والدته: «نتناوب على الوقوف في الطابور، قبل يومين وقفت أمام المخبز منذ الثانية ظهراً حتى السادسة والنصف مساءً قبل أن يصل دوري. لكن قالوا لي إن الخبز نفد، رجوتهم أن يعطوني بضعة أرغفة للأطفال لكنهم رفضوا».

وتفيد بأن مجمع الأبنية، حيث شقتها، تَهدّم جراء قصف إسرائيلي في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) يوم الهجوم الذي شنّته حركة «حماس» داخل الأراضي الإسرائيلية وأسفر عن سقوط أكثر من 1400 قتيل، غالبيتهم مدنيون وفق السلطات الإسرائيلية.

وأدت حملة القصف الإسرائيلي العنيف التي تلت الهجوم إلى مقتل أكثر من 10500 شخص، معظمهم من المدنيين في قطاع غزة، وألحقت دماراً هائلاً، وتسببت في نزوح مئات آلاف الأشخاص.

وتروي أمل بأسى: «حتى الحصان الذي كان يعمل عليه ابني لجر العربة والعمل في الزراعة قُتل، ذهب المال ورأس المال ولم يتبقَّ لنا شيء».

أمل الربايعة تغسل الملابس وسط أنقاض منزل العائلة الذي دُمر في غارة إسرائيلية (أ.ف.ب)

لاحقاً تنضم إليها سلفتها نسرين (39 عاماً)، وهي تحمل كيساً صغيراً من الدقيق نجحت في الحصول عليه.

تسرع السيدتان إلى إضافة بعض المياه والخميرة إلى الدقيق وعجنه. ثم تذهب إحداهما للبحث بين الأنقاض عن قطع حطب صغيرة لإشعال النار وخبز العجين.

مع أن الدخان المتصاعد يزعج بلال البالغ 9 سنوات ويدفعه إلى السعال، يحرص الطفل على المساعدة ويصيح مبتسماً: «انظروا، ها أنا أساعدكم حتى لا تقولوا إني لا أفعل»، وهو يهم برفع الغسيل الذي غُسل بأقل قدر ممكن من المياه.

فالمياه عملة نادرة في قطاع غزة وينبغي استهلاكها بتروٍ؛ للتمكُّن من الاستحمام من وقت إلى آخر.

نسرين سلفة أمل الربايعة تخلط الدقيق مع الماء لتحضير الخبز أمام أعين أحفادها في رفح (أ.ف.ب)

وتقول أمل، مشيرة إلى حمام منزلها المدمر الذي لا تزال حيطانه صامدة، «نستحم هنا، على الأقل بقيت حيطان الحمام لسترنا رغم أنه مدمر من الداخل، ورغم الخوف من أن ينهار علينا».

وتوضح: «ننتظر توافر المياه لأحمم أطفالي وأستحم أنا أيضاً. كل 4 أو 5 أيام تتوافر المياه مرة وأحياناً لا تأتي».

يجلس زوجها عماد على الركام ويأخذ آلة الناي محاطاً بكثير من الأطفال، ويبدأ عزف أناشيد فلسطينية يرددها الحضور معه.

«الهروب من كل شيء»

يقول عماد: «عودي تحت الركام هنا، لكني فرحت كثيراً بالعثور على الناي، أعزف عليه كل يوم محاولاً تفريغ الطاقة السلبية والترفيه عن الأطفال»، مضيفاً: «نجلس مع بعضنا في محاولة للهروب من كل شيء».

يسترجع عماد حياة العائلة ما قبل الحرب قائلاً: «كل يوم جمعة كنا نعد وجبة غذاء من الدجاج وخبز الصاج والأرز، لم نأكل مثل ذلك منذ بداية الحرب».

مع حلول العصر، كانت العائلة قد نجحت في الحصول على 27 لتراً من المياه ونصف كيلوغرام من المعكرونة وعبوة صلصة صغيرة، لنحو 50 شخصاً.

ويؤكد عماد: «الأطفال جائعون، سنبدأ بهم»، في حين يصطف الصغار حاملين الأطباق للحصول على بعض الطعام الذين يلتهمونه وقوفاً وهم يتكئون على جدران ما زالت صامدة بين الأنقاض.

بعد الوجبة الصغيرة، يكتفي الوالدان بفنجان شاي واحد، إذ ينبغي الاقتصاد في استهلاك علبة الشاي الصغيرة حتى تكفي أطول فترة ممكنة.

أمل الربايعة وزوجها عماد ووالدها سلمان يشربون الشاي وسط أنقاض مبنى دمره القصف الإسرائيلي في رفح (أ.ف.ب)

وسط هدير المسيّرات المتواصل، تسلك العائلة قبل مغيب الشمس طريق العودة إلى مدرسة «أونروا»، التي يبيت فيها كثير من النازحين جراء الحرب.

وتقول أمل: «أشعر بالقلق طيلة الوقت، الجو أصبح بارداً في الليل ولا أعرف كيف سنتدبر ملابس شتوية للأطفال».

وتؤكد سلفتها: «الأطفال لا ينامون، وإن نام بعضهم يستيقظون في وسط الليل يصرخون. أنتظر الصباح بفارغ الصبر حتى نأتي هنا بجوار المنزل».



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top