طريق التعددية القطبية طويل ولن نتعاون مع الغرب في ملفات الأمن والسياسة


أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن العملية العسكرية التي أطلقتها بلاده، العام الماضي، في أوكرانيا، دشنت مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، ودفعت مسار بناء عالم «أكثر عدلاً» و«يقوم على التعددية القطبية». ورأى أن التطورات الجارية في العالم لا رجعة فيها، مشيراً إلى أن بلاده لن تتعاون مع الغرب في ملفات تمس أمنها ومصالحها السياسية والعسكرية.

شدد لافروف على أن بلاده «لن تتعاون مع الغرب في المجالات التي يعتمد عليها أمنها العسكري والسياسي» (أ.ب)

وكان لافروف يتحدث، الجمعة، أمام طلاب معهد العلاقات الدولية التابع للخارجية الروسية، بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد. وخصص جزءاً مهماً من خطابه لشرح دوافع السياسة الروسية في العلاقات مع الغرب، الذي حمله المسؤولية عن انسداد أفق التعاون في مجالات عدة. وانتقد الوزير الروسي تمسك الولايات المتحدة وحلفائها بنهج فرض الهيمنة على العالم، ومحاولات إطالة أمد نظام عالمي أحادي القطب.

وأقر بأن «تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب سوف يستغرق فترة طويلة (…) قد تكون حقبة تاريخية طويلة». لكنه قال إن «هذه عملية موضوعية ولا يمكن إيقافها». وزاد أن «مسار الغرب، الذي يهدف إلى محاولة إبطاء مسار التاريخ، لن يؤدي إلا إلى مواقف تصادمية وتحديات إضافية للمجتمع الدولي». وشدد لافروف على أن بلاده «لن تتعاون مع الغرب في المجالات التي يعتمد عليها أمنها العسكري والسياسي».

وأوضح: «حتى لو اقترح الغرب فجأة، بموجب أمر غير مفهوم من أعلى، أن نعود إلى اتصالات طبيعية إلى حد ما، فسوف نفكر بالفعل ما إذا كان ينبغي لنا أن نفعل ذلك، وإذا كان الأمر كذلك، ففي أي المجالات سنجد فرصاً للتعاون (…) لن نتعاون مع الغرب في الأمور التي يعتمد عليها أمننا بكل معنى الكلمة: الأمن العسكري السياسي والاقتصادي والتكنولوجي».

من مؤتمر جدة عن أوكرانيا (واس)

وتعليقاً على مسألة العقوبات ضد روسيا، أشار الوزير إلى أن «هناك صعوبات واضحة، وسوف تتفاقم، لكن قيادة البلاد تفعل كل ما في وسعها، والجهود المبذولة تعطي نتائج إيجابية». ووفقاً له، فإن «أي الرهان على آمال في عودة كل شيء في العلاقات مع الغرب إلى طبيعته هو مجرد وهم مبني على الرمال».

وتطرق إلى العلاقات الروسية مع التكتلات الإقليمية، وأشاد بمستوى العلاقة مع البلدان الأفريقية، على خلفية نتائج قمة «روسيا أفريقيا» التي عقدت قبل أسابيع. وقال إن الدول الأفريقية «أوفدت 7 رؤساء قبل شهر من انعقاد القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبورغ استقبلهم الرئيس فلاديمير بوتين، واتفق الجانبان على البحث عن طرق مشتركة للتسوية في أوكرانيا ترضي جميع الأطراف، وليس طرفاً واحداً».

كما أشاد بمستوى العلاقات المتطورة مع السعودية، وقال إنها لعبت دوراً بنّاءً في جهود الوساطة لتسوية النزاع في أوكرانيا. وأعلن لافروف أن «الأصدقاء في السعودية أخطروا روسيا بأن قمة جدة حول أوكرانيا، كانت تهدف لإقناع الجميع بعدم جدوى المفاوضات من دون موسكو».

وزاد: «أخبرنا أصدقاؤنا السعوديون أنهم يريدون استضافة اجتماع آخر بهذا الشكل في جدة. وقالوا إن ذلك يشكل استمراراً لنهج التأكيد على ضرورة إشراك كل الأطراف» في النقاشات الدائرة حول أي تسوية سياسية محتملة.

لافروف مع نظيره التركي(ا.ب)

في الوقت ذاته، انتقد لافروف مشاركة الأمم المتحدة في اللقاءات التي تناقش خطة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحل. وقال إنه «من جانب الغرب، استمرت المحاولات للسيطرة على الأمانة العامة للأمم المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر».

ورأى أن خطة زيلينسكي «المجنونة وغير الواقعية وغير المتزنة المكونة من 10 نقاط تحت مسمى (صيغة السلام)، طرحت على المجتمع الدولي ودعمها الغرب كحل وحيد للأزمة».

وأضاف لافروف أن موسكو علمت بالنداء الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لإرسال ممثليه إلى اجتماعات مجموعات العمل عبر الإنترنت حول «صيغة السلام» التي طرحها زيلينسكي. وزاد: «لقد رأيت السيد غوتيريش في جوهانسبرغ على هامش قمة (بريكس). وقلت له بصراحة إن هذا ينتهك جميع مبادئ عمل الأمانة؛ لأن الأمانة، وفقاً للميثاق، يجب أن تكون محايدة ولا ينبغي أن تتلقى تعليمات من أي شخص».

في سياق الحديث عن تطوير علاقات روسيا مع بلدان المنطقة، جدد لافروف ترحيبه بانضمام السعودية والإمارات إلى مجموعة «بريكس»، وأشاد بحجم التبادل التجاري بين روسيا والإمارات الذي سجل 10 مليارات دولار، وقال إن هذا الرقم «مرشح للزيادة». وأضاف أن نجاح العلاقات بين روسيا والإمارات يكمن في انطلاق البلدين من مصالحهما الوطنية، ورفضهما الضغوط التي قد تدفع نحو التضحية بمصالحهما ومنع تنمية اقتصادهما.

وتطرق إلى العلاقة مع تركيا، وقال إن موسكو تواصل التنسيق مع أنقرة في الملفات المختلفة وخصوصاً حول الوضع في سوريا، مؤكداً أن موسكو «طرحت منذ يونيو (حزيران) الماضي رؤيتها لـ(خارطة طريق) لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وهذه الوثيقة ما زالت قيد الدراسة من جانب الأطراف التي أجريت بعض الاتصالات لمناقشة الخطة».

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، إنه لا يمكن تحقيق «سلام دائم» في البلاد ما لم تستعِد كييف السيطرة على شبه جزيرة القرم ودونباس وغيرهما من الأراضي التي تحتلها روسيا. وأعرب زيلينسكي، في كلمة عبر الفيديو أمام المنتدى الاقتصادي «البيت الأوروبي – أمبروسيتي» في تشيرنوبيو بإيطاليا، عن أسفه لأن «القرم، وهي شبه جزيرة كانت تجذب السياح والشركات، صارت اليوم منطقة محتلة ومعسكرة وعاجزة عن أن تحقق النمو».

زيلينسكي يتحدث خلال مؤتمر «منصة القرم» (رويترز)

وقال: «انظروا إلى ما حدث في شبه جزيرة القرم. هل جلب الاحتلال الحضارة والسياحة والأعمال؟ لا شيء من ذلك… أوكرانيا وجميع الدول الأخرى التي تحترم القانون الدولي لا تعترف» بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 و«لا الشركات كذلك». وأكد زيلينسكي أن «روسيا تحاول إخفاء ضعفها من خلال زرع الفوضى والإرهاب». وفي معرض حديثه عن وفاة زعيم مجموعة “فاغنر” العسكرية يفغيني بريغوجين، قال الرئيس الأوكراني: «إذا كان صحيحاً أن بوتين قتل بريغوجين، فهذا دليل جديد على الضعف». وأضاف: «هل تتذكرون عندما سار بريغوجين نحو موسكو؟ من المؤكد أن هذا لم يظهر قوة بوتين، لقد كان خائفاً من بريغوجين». وشكر زيلينسكي إيطاليا على مساعدتها وقال: «لم نشك مطلقاً في دعم إيطاليا المهم لأوكرانيا». وأضاف أمام رجال الأعمال المجتمعين حتى الأحد على ضفاف بحيرة كومو في الشمال «هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ قرارات قوية من أجل أمننا وأمن أوروبا والأمن العالمي».

الرئيس زيلينسكي أمام مقاتلات «إف 16»… (أ.ف.ب)

ومن جهة أخرى، بدأت روسيا تصويتاً مبكراً في الانتخابات الإقليمية بالمناطق الأوكرانية. وهذه الانتخابات غير شرعية بموجب القانون الدولي. وقالت صحيفة «روسيسكايا جازيتا» الرسمية وسلطات الانتخابات المحلية، إن مراكز الاقتراع فتحت الخميس، في منطقتي زابوريجيا ودونيتسك اللتين تسيطر عليهما روسيا في أوكرانيا؛ نظراً لقربهما من خط الجبهة والمناطق التي يمكن أن يصعب الوصول إليها.

ويجمع أفراد لجنة الانتخابات الأصوات من المنازل في 375 قرية بالمنطقتين، ويهدفون إلى تغطية أكثر من 214 ألف شخص. وسوف يستمر التصويت حتى مطلع الأسبوع المقبل.

وأعلنت روسيا ضم المناطق الأوكرانية: دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوريجيا، قبل عام رغم أنها لم تسيطر عليها بالكامل، بحسب وكالة «بلومبرغ» للأنباء. ومرر النواب الروس في مايو (أيار) تدابير تجيز إجراء انتخابات بموجب الأحكام العرفية، فيما استعد الكرملين لإجراء انتخابات إقليمية ورئاسية من شأنها أن تمنح فلاديمير بوتين ولاية خامسة في 2024. وسوف تجري منطقتا لوهانسك وخيرسون انتخابات للبرلمان المحلي والمكاتب المحلية اعتباراً من الأسبوع الحالي.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top