تراجع الاشتباكات في جبهات القتال الساخنة بالخرطوم


«منتدى أصيلة»: دعوات لإعادة قراءة علاقات أفريقيا مع العالم

قال خبراء ودبلوماسيون وسياسيون، مشاركون في الجلسة الافتتاحية لندوة «منتدى أصيلة» الـ44 الثانية حول موضوع «أفريقيا والغرب: الموروث والمأمول»، إن أفريقيا مطالبة بثورة ثقافية وسياسية حقيقية لمراجعة تاريخها، وإعادة تركيب مكونات التفكير في إشكالياتها الكبرى، وإعادة قراءة علاقاتها مع العالم، خصوصاً مع الغرب، عادّين أنها مطالبة، في الوقت نفسه بإقامة علاقات تعاون مع الغرب؛ لأن الجغرافيا والتاريخ والتحديات المشتركة تحتم عليها ذلك.

وانطلقت الندوة، التي نسقها أليون صال، الخبير الدبلوماسي السنغالي والمدير التنفيذي لمعهد المستقبل الأفريقي في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا، من أرضية ترى أنه لم يعد بالإمكان الحديث عن العلاقات الأفريقية -الغربية دون مراعاة التحولات الكبرى، التي عرفتها المنطقتان، وما يترتب على هذه التحولات من خيارات ورؤى استراتيجية جديدة، موضحاً أنه لا بد من الإقرار بأن تركيبة العالم الغربي تغيرت نوعياً في مرحلة تشهد تعطل المشروع الاندماجي الأوروبي، وعودة الحرب إلى القارة، وانعكاس الأزمات الاقتصادية والمالية والمناخية والطاقية على البلدان الأوروبية. كما أن الولايات المتحدة تعرف تحولات مماثلة، تظهر بوضوح على طبيعة المسار السياسي والانتخابي، ومحددات الحراك الاجتماعي، في الوقت الذي شهدت فيه أفريقيا تحولات نوعية كبرى، إذ لم تعد طرفاً هامشياً تابعاً للغرب، بل أصبحت تتلمس حالياً طرق التنمية المستقلة والاستقرار السياسي والبناء الإقليمي، بما يقتضي منها الإحجام عن استنساخ النموذج الغريب في الحكم والتنمية، ومن ثم العمل على بناء شراكة بديلة مع الغرب.

وقال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة «منتدى أصيلة»، ووزير خارجية المغرب الأسبق، في كلمة افتتاح الندوة (مساء أمس) إن الغرب، بحكم الجوار والماضي الاستعماري وكل الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية مع غالبية الدول الأفريقية، حاضر في كل الدراسات والمناقشات. ورأى أن مرجع أغلبية المخاضات التي تعيشها أغلبية دول القارة السمراء هي مسألة الماضي وتقييم المستقبل، انطلاقاً من الهيمنة التي تمارسها دول غربية على أغلبية دول أفريقيا. وشدد على أن أفريقيا «تتطلع إلى التخلص من سيطرة ووصاية الغرب عليها، ونحن نعيش اليوم على رؤى جديدة لأفريقيا والغرب، ونشاهد توجهات سياسية تمس باستقرار القارة وشعوبها، وتنذر بتصدعات كبيرة في الحكم والثروات، حيث تتعرض القارة الأفريقية لسباق بين قوى الشرق والغرب، في ظل حركات إرهابية تهدد سيادة الدول واستقلالها، وتشجع التوجهات الانفصالية، هنا وهناك». ودعا بن عيسى، في هذا السياق، إلى علاقات جديدة مع الآخر، تحترم كرامة الإنسان الأفريقي وتطلعاته وقيمه وثقافته.

محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة «منتدى أصيلة» خلال إلقاء كلمته (الشرق الأوسط)

من جهته، انطلق أليون صال، في مداخلته من عنوان الندوة، من خلال عملية تفكيكية، ركزت على «أفريقيا والغرب». وقال إن «أفريقيا قارة، بينما الغرب مفهوم بحمولة مختلفة على المستويَين الثقافي والجغرافي، إذ يرتبط في الفهم العام بجملة من العناوين والمحددات، حيث يتم ربطه بالمسيحية والليبرالية، وبنموذج اقتصادي، يقوم على التكنولوجيا، وما تستدعيه من أدوار على مستوى العولمة. أما على المستوى الأمني، فيتم ربط الغرب بحلف شمال الأطلسي».

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

بدوره، تحدث الشيخ تيديان غاديو، نائب رئيس الجمعية الوطنية السنغالية ورئيس المعهد الأفريقي للاستراتيجية والسلم والحكامة ووزير الخارجية سابقاً، عن الغرب الذي فقد السيطرة على المستقبل. وقال إن أفريقيا عانت في السابق، مشيراً إلى «الدور الذي لعبه الاستعمار على مستوى بلقنة القارة الأفريقية». وقال إنه «لا شيء تغير في أفريقيا بعد أكثر من 7 عقود على نيل استقلالها. لا شيء، لا على مستوى الصحة أو التعليم أو البنى التحية، وغيرها»، داعياً إلى تشجيع الشباب ومنحهم فرص النجاح، بتكوينهم ووضعهم في خضم التحولات التكنولوجية الجارية. ورأى أن أخطر ما في الأمر بالنسبة للقارة الأفريقية يبقى عدم حل إشكالية الحوكمة، مشيراً إلى أن غرب أفريقيا شهد 7 انقلابات في السنوات الأخيرة، مع تشديده على أن القارة الأفريقية ضحية عنف إرهابي، يؤثر في المسألة الأمنية التي هي أساس التنمية.

جانب من المشاركين في الندوة (الشرق الأوسط)

من جهتها، تناولت المالية راكي تالا ديارا، نائب رئيس المجلس الانتقالي ووزيرة العمل والوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة والعلاقات مع المؤسسات سابقاً، «ثنائية أفريقيا والغرب»، مشيرة إلى أن هذا الأخير يرتبط بصنافة مفاهيم مرافقة، من قبيل الديمقراطية والرأسمالية والليبرالية. وتحدثت عن عدد من الأحداث التي جاءت أخيراً لتؤثر سلباً فيما هو اقتصادي واستراتيجي، على مستوى العالم، من قبيل «كوفيد-19» وحرب أوكرانيا. ودعت ديارا الأفارقة إلى الثقة في الذات، وتطوير التعاون جنوب – جنوب؛ لمواجهة التحديات الجديدة. ورأت أن الغرب منظم وله استراتيجيات واضحة، بينما يحدث العكس في أفريقيا.

من جانبه، رأى خطار أبو دياب، المحلل السياسي، أن «أفريقيا، للأسف ضحية للتنافس الدولي وللتحولات التي يشهدها العالم». وأوضح أن لكل مآربه ومراميه من وراء علاقاته مع أفريقيا، سواء من الشرق أو من الغرب، مشيراً إلى التنافس الذي صار بين «البريكس» و«مجموعة العشرين» على أفريقيا. ورأى أن كل هذا يعني أن أفريقيا تتطور. لكنه تساءل في هذا السياق عن الكيفية التي يمكن أن تكون بها أفريقيا للأفارقة. ورأى أن للغرب مسؤولية كبيرة فيما عاشته وتعيشه أفريقيا. غير أنه شدد على أن أفريقيا مطالبة هي الأخرى بالنظر إلى وجهها في المرآة، وتحديد استراتيجية جديدة للتعامل مع التحديات والمستجدات.

في السياق ذاته، طرح إدريس الكراوي، رئيس الجامعة المفتوحة بالداخلة المغربية، في مستهل مداخلته، 3 أسئلة حول العلاقة بين أفريقيا والغرب، حول ماهية حالة أفريقيا وحالة الغرب في ظل العالم الجديد، وكيف أنه يتعين على أفريقيا القرن الـ21 أن تتعامل مع الغرب ومع العالم الجديد، وما التحديات التي يتوجب التعاطي معها من طرف أفريقيا نحو مستقبل مشترك وممكن مع الغرب.

وقال الكراوي، إن ما يميز العالم الجديد يتمثل في التدهور والانخفاض والتقلص المتنامي لمكانة وأدوار وقوة الغرب داخل العالم الجديد، وهو شيء «مرده إلى كون النماذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقيمي، التي بنى عليها الغرب حضارته، بلغت مداها، وهذا ما جعله يفقد مكانته». ورأى الكراوي أن الانحسارَين الاقتصادي والمجتمعي والأزمة البنيوية للنموذج الغربي للديمقراطية كلها عناصر أدت إلى أن الغرب لم يعد اليوم مرجعاً، لا آيديولوجياً، ولا ثقافياً، ولا حضارياً.

وفي المقابل، تحدث الكراوي عن وعي متنامٍ لأفريقيا، في ظل العالم الجديد، شعوباً ونخباً سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية ودينية، بالدور المستقبلي الرائد الذي يمكن أن تلعبه بوصفها قاطرة للاقتصاد العالمي، وقطباً قوياً وجديداً للنمو، ورافعةً بشرية لإنجاح التحديات المرتبطة بالانتقالات الجوهرية، بيئياً وطاقياً ورقمياً، وكذا بالمجالات الحيوية المرتبطة بالسيادة الغذائية والمائية والدوائية، وتلك المتعلقة بالتنوع البيولوجي، وتثمين الرأسمال غير المادي الذي تزخر به القارة السمراء كماً ونوعاً. ورأى الكراوي أن أفريقيا تتوفر اليوم على مميزات تنافسية واستراتيجية تؤهلها لأن تلعب مستقبلاً أدوراً طلائعية داخل العالم الجديد.

وخلص الكراوي إلى أنه على أفريقيا أن تكون واعية بأن الدخول في التحالف الجيواستراتيجي الجديد يتطلب توفير 3 شروط؛ أولها بناء جيل جديد من التنمية المتبادلة، ومواجهة التحالفات الجديدة، وتحقيق السلم والأمن من خلال 3 أولويات: في الساحل، وفي الشرق الأوسط ممثلاً في القضية الفلسطينية، وفي المغرب من خلال شرعنة دولية لمغربية الصحراء.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top