باكستان: قتلى القوات المسلحة ضحايا الإرهاب تحولوا لأبطال محليين
في بيان له، أعلن الجيش الباكستاني مقتل ضابط رفيع المستوى في خضم معركة بالأسلحة النارية مع عدد من العناصر المسلحة، خلال عملية تقوم على معلومات استخباراتية بمنطقة قبلية متوترة شمال غربي البلاد على الحدود مع أفغانستان.
وقع الحادث منذ يومين بعدما سقط تسعة جنود قتلى في هجوم انتحاري شنته جماعة «طالبان باكستان» الإرهابية، في إقليم خيبر بختنخوا. وقع الصدام في ميرا شاه في منطقة شمال وزيرستان القبلية، الجمعة، في وقت كانت القوات مشاركة في عملية جرت بناء على معلومات سرية، وفق ما أضاف الجناح الإعلامي للجيش.
في غضون ساعات من انطلاق المعركة، تواترت أنباء عبر وسائل إعلام محلية عن مقتل تسعة من أفراد القوات المسلحة. كما حرص الجناح الإعلامي للقوات المسلحة على إخطار وسائل الإعلام بتفاصيل سكن الجنود القتلى، والقرى والمدن التي ينتمون إليها، كي تتمكن من إرسال فرق عمل إعلامية لإجراء مقابلات هناك.
وبحلول موعد جنازة أحد الضباط القتلى، كانت كاميرات وسائل الإعلام إضافة لصحافيين بالفعل في القرية، وجرى بث وقائع الجنازة على الهواء مباشرة عبر شاشات التلفزيون الوطني. وتكرر الأمر في كل مرة يفقد فيها ضابط أو جندي حياته في تبادل لإطلاق النار مع عناصر إرهابية داخل مناطق قبلية.
من جانبها، زارت «الشرق الأوسط» قرية أحد الضباط القتلى التي تقع قرب العاصمة إسلام آباد، حيث جرى الاحتفاء به محلياً باعتباره بطلاً.
وعبر مختلف أرجاء المنطقة الواقعة شمال غربي البلاد، تظهر صور الاحتفاء بقتلى محليين. من بين هؤلاء النقيب بلال ظافر عباسي، الذي شارك في صفوف قوات خاصة، وسقط قتيلاً في إطار عملية عسكرية ناجحة ضد مسلحين في وادي بيوشار في سوات، في مايو (أيار) 2009. وقد تحول عباسي بموته إلى بطل محلي.
وتحدث والده، ظافر عباسي، عن الأحداث التي أحاطت بمقتل نجله بمشاعر جياشة، مشيراً إلى أن الجميع يفدون لزيارته. وقد خصص غرفة جلوس في منزله الكائن بقرية كروري بالا لهذا الغرض.
لدى دخول غرفة الجلوس، يلفت نظر المرء وجود ملصق كبير على الجدار يحيطه إطار، يحمل صورة النقيب بلال بجانب رسالة نصية كانت آخر ما أرسله إلى أسرته وأصدقائه قُبيل انطلاقه في مهمته الأخيرة في وادي بيوشار في سوات. وتتجلى في الرسالة شجاعة بلال الكبيرة، والعزيمة التي يتميز بها أبناء القوات المسلحة.
منقذ «سوات»
وفي واحدة من زوايا الغرفة، يدعو ظافر ضيوفه للجلوس معه، بجوار صندوق عرض زجاجي يحمل زيا ودرعا وساعة يد وخوذة لنجله النقيب بلال، التي كان يرتديها عندما قتل في العملية الأخيرة التي شارك فيها.
واحتفاءً به، أطلق عليه أبناء قريته عدداً من الألقاب، منها «منقذ سوات» و«منقذ الجيش». وقد نجح بلال في استعادة الصورة الإيجابية للجيش، بعدما تعرضت لضربة شديدة في أعقاب عملية مسجد لال، وفق ما ذكر ظافر عباسي.
وفي كل عام، يجري إحياء ذكرى وفاة النقيب بلال ظافر في قريته باستعراض ضخم، حضره العام الماضي نحو 500 شخص في الذكرى السنوية الأخيرة. وشارك بالاحتفالية كذلك أحد قادة الجيش الباكستاني (كان قائداً لقوات الأمن الخاصة عندما قُتل بلال).
وعن ذلك، قال الوالد: «حضر ما بين 35 إلى 40 ضابطاً وجندياً من الكتيبة الأم لبلال». وبالتأكيد، يشكل ذلك أكبر حدث اجتماعي يشهده سكان القرية على الإطلاق خلال العام. ويشارك كل من نساء ورجال القرية في الحدث الذي يقام حول قبر بلال الرخامي الأبيض الواقع في أحد أركان القرية.
22 هجوماً انتحارياً خلال عام 2023
في غضون ذلك، خلص تقرير لمعهد دراسات الصراع والأمن في باكستان إلى أن الهجمات المسلحة ارتفعت بصورة كبيرة في أنحاء البلاد خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، حيث تم تسجيل 99 هجوما إرهابيا حتى الآن. ووفقا للتقرير، فإن ذلك يعد أعلى رقم للهجمات الإرهابية يتم تسجيله خلال شهر واحد منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. وذكرت قناة «جيو» الباكستانية أن هذه الهجمات أسفرت عن مقتل 112 شخصا وإصابة 87 آخرين، حيث استهدفت بصورة أساسية أفراد قوات الأمن والمدنيين. وأظهرت البيانات زيادة عدد الهجمات الإرهابية بنسبة 83 في المائة خلال الشهر الماضي مقارنة بيوليو (تموز) الماضي، عندما تم تسجيل 54 هجوما. وكان شهر يوليو الماضي قد شهد تسجيل خمس هجمات انتحارية، تعد الأعلى خلال عام.
وقد سجلت باكستان 22 هجوما انتحاريا خلال أول ثمانية أشهر من عام 2023، أسفرت عن مقتل 227 شخصا وإصابة 497 آخرين. وأوضحت بيانات المعهد أن القوات الأمنية تعاملت بكفاءة مع التهديد المسلح، حيث تمكنت من مواجهة كثير من الهجمات، وقتلت ما لا يقل عن 24 مسلحا وألقت القبض على 69 آخرين في عمليات مختلفة في أنحاء البلاد.
وكشفت البيانات أن القوات الأمنية كانت الهدف الأساسي للعنف المسلح، حيث مثل أفراد القوات الأمنية 50 في المائة من إجمالي ضحايا الهجمات و63 في المائة من إجمالي الإصابات. كما تم تسجيل زيادة في حالات الوفاة بين أفراد القوات الأمنية بنسبة 51 في المائة في أغسطس الماضي مقارنة بيوليو الماضي.