وضع المسبار الياباني «سليم» في حال سبات بانتظار عودة النور


ترينالي الشارقة للعمارة… الفن والبيئة يشكّلان رقصة حياة

6 سنوات تمرّ على انطلاق ترينالي الشارقة للعمارة، المنصّة الداعية إلى حوار حول موضوعات العمران. أرادتها رئيستها حُور القاسمي مساحة لطرح الرؤى والتساؤلات المتعلّقة بتصميم البيئة والمجتمع، والأثر المترتّب على العمارة والتخطيط. فالعلاقة الراهنة بين العمارة والبيئة تعيد إلى الواجهة قضايا الاستدامة المستوجِبة إعادة النظر. الحاضر عاصف، وبناء مستقبل مستدامٍ فعلٌ إشكالي وسط الهبوب العميم. فالتماس الطريق لإعادة توجيه الخطاب السائد حول الاستدامة مسألة مُلحّة.

تجولت «الشرق الأوسط» في مدرسة القاسمية التراثية لاكتشاف تقنيات مبتَكرة تتبنّى فكرة أنّ الأشياء قابلة للتطوير والترميم سيراً مع الطبيعة.

مع تحوّل المدرسة من مبنى منعزل يفصله سور صغير إلى مساحة عامة تصل ما بين الحيّ حيث تقع، والمدينة، شكّل التقاء المداخل الجديدة في شمالها وغربها ما يشبه مصطبة خفيضة تمثّل عتبة ترحيبية. فمن خلال تظليل المساحة، تُهيّئ «العتبة المجرّدة» ظرفاً أفضل لزيارة المكان. وسائطها المكوّنة من أعمدة كهرباء خشبية مُعاد تدويرها، وحصائر أشجار النخيل، تتيح إنتاج مدخل معماري قوامه المواد الطبيعية المتداخلة مع السياق بما يشبه جلسة حوار.

المرشد يشرح للوفد الصحافي عن عمل المعمارية السعودية سميّة الدباغ (الشرق الأوسط)

 

التراب عنصر الحياة الحيّ

المشاريع في الأرجاء تمنح مدرسة القاسمية هوية فريدة. يلفت عمل المعمارية السعودية سميّة الدباغ، بعنوان «من التراب وإلى التراب»، الزائر، لتشكّله من طوب الطين، والجصّ الطيني، وألواح سعف النخيل. فالطين يتمتّع بطيف واسع من خصائص التراب والماء، لإضفاء ثنائيات الحركة والسكون، والصلابة والسيولة، والتغيير والديمومة. إدراك الفنانة قدرة الطين على الذوبان وإعادة التشكّل، أتاح تدويره، «فيجسّد ذاكرة كل أشكاله الماضية، ويحمل في ثناياه ذكريات مشتركة، ويثير تأملات جماعية للمستقبل»، كما تشير لافتة عُلّقت على الجدار الخارجي.

يتكوّن هذا التجهيز الفني من جدارَيْن منحيَيْن مبنيَيْن بالطوب اللبِن، يشكلان مساحة شبه مغلقة توفّر «مأوى حميماً». ذلك لتمثيل العلاقة بين الأضداد، من بينها الحياة والموت، مع دعوة للتعامل مع هذا الإنشاء بطريقتين يشير إليهما كُتيّب وُزّع على الوفد الصحافي: «الالتفاف حول الجزء الخارجي للجدارين، أو دخول المساحة الوسطية للتوقّف والتأمّل».

ضمن حيّز متّصل، يتّخذ عمل المعمارية ساندرا بولسون من الغبار والأتربة المنتشرة في أرجاء أنغولا مادة للبحث. بعنوان «التراب هبة غير مُتوقّعة»، تُعاين المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لمدينتها. فالأتربة في العاصمة لواندا سلعة رائجة تُشكّل وسيطاً لأنشطة مختلفة. عملها التركيبي تحريضٌ على التفكير في القدرة على الحركة ضمن الأماكن الهامشية غير الصالحة للسكن. إنه تأمّل في كيفية تحوُّل ما يتراءى منبوذاً، ولا حاجة له، إلى ضرورة للاستمرار.

مدخل مدرسة القاسمية (الشرق الأوسط)

 

مساحة للعب… والملابس المستعمَلة «مُرتَجعة»

تُلقي شمسٌ خجولة أشعّتها على الفضاء العام، لإتاحة تحلّي أبعاده المختلفة بمزيد من الوضوح. تثير لافتة كُتب عليها «العب أنت في الشارقة» الفضول للإصغاء إلى القصة. تبدو على المرشد ملامح آسيوية، فيشرح بإنجليزيته سبب التسمية. يتحدّث عن «سوق جبيل» العائدة إلى ثمانينات القرن الماضي، حين شكّلت مساحة مزدحمة تتّصل بمحطة الحافلات المجاورة. كان ذلك قبل إغلاق أبوابها عام 2015، لتصبح بعدها جزءاً معزولاً من النسيج المديني. إنقاذها من الهدم سبق إعادة افتتاحها عام 2019، وإلحاقها بمواقع عرض ترينالي الشارقة للعمارة. من السعي إلى تحويل المساحة المعزولة إلى مساحة للألعاب الشعبية العامة، ينطلق عمل «العب أنت في الشارقة». وفق حركة الشمس، تُوزَّع المظلّات، وطاولات اللعب والكراسي في أرجاء الساحة. يتغيّر ترتيبها بمرور الوقت، لتخضع المساحة إلى ترتيب جديد يومياً ضمن دورة من «الفوضى المنظّمة».

تستمرّ الجولة، لتحطّ أمام مساحة كاملة للملابس المُستعمَلة المُعاد تصميمها ضمن عمليات إعادة التدوير المعقّدة. المكان نسخة مصغَّرة عن استوديو «بوزيغاهيل» في كامبالا عاصمة أوغندا، متّخذاً عنوان «مرتجع إلى المرسَل»، فيشكّل محاكاة لبراعة سكان القارة الأفريقية في تحويل النفايات إلى موارد. «بوزيغاهيل» علامة تجارية للملابس، أسّسها مصمم الأزياء السوداني الأصل بوبي كولادي، تجمع بين الفن والموضة ومناصرة القضايا البيئية.

باستخدام العرض ملابسَ مستعمَلة وغير مغسولة استُقدِمت من مركز فرز في إحدى المناطق الحرّة بالشارقة، تؤكد الإمارة دورها الفعّال في سلسلة توريد الملابس المُستعمَلة. تثبت المساحة حضور «بوزيغاهيل» في ساحة الفن بصُنعها منتَجاً يعبّر عن الرفض الجماعي للبقاء على هامش سلسلة توريد السلع المُستعمَلة، بإعادتها إلى المرسَل.

خلال الجولة في مدرسة القاسمية (الشرق الأوسط)

 

انتصار للوعي المناخي

من خلال وسائط متمثّلة بالخيزران ونسيج ألياف نبتة الجوت، يتناول مشروع «استقلالية الموارد» الهموم العالمية المُلحّة المتعلّقة بتغيُّر المناخ والعلاقة بين الكثافة السكانية وندرة مقوّمات العيش. يتّضح السعي إلى مقارعة التحدّيات البيئية بتحويلها إلى فرص لخلق موارد.

الخيزران الخفيف متعدّد الوظائف يتيح تأليف 3 أجنحة توفّر مساحات مُظلّلة للتجريب، تحضّ الزوار على المشاركة في عمليات إنتاج الموارد هذه، وتعزيز الحوار حول جودة الهواء وتحدّيات المياه. فمن خلال ورشة عمل ومساحة لتخزين المياه، يوفّر الجناح الأول مجالاً لتبادل المعرفة، ليتمثّل الجناح الثاني بجهاز لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، بينما يستخدم الثالث بقايا المحلول الملحي لتنقية الهواء. الخلاصة؛ يعزّز المشروع ثقافة العمارة المعيارية القابلة للتكيّف مع الحاجات، والانتصار للوعي المناخي.

البيئة جزء من الابتكار الإبداعي (الشرق الأوسط)

 

وعي صادم

«ممر الدقائق الثلاث» يستدعي التمهّل. إنه مشروع «وول ميكرز» القائم على جَمْع إطارات السيارات من مواقع المخلّفات المختلفة في الشارقة قبل ملئها برمال الصحراء، وإعادة تشكيلها من خلال البناء التكيفي. هذا الشكل يستطيع ضمان مساحة داخلية معزولة حرارياً، وأكثر برودة. العبور بين الإطارات يشدّ الانتباه إلى كمية المخلّفات التي ينتجها البشر يومياً. 1425 إطاراً تشكّل التجهيز، وهو العدد الذي يُرمى حول العالم خلال الدقائق الثلاث التي يقطعها الزائر عبر الممر. التذكير بالحجم الهائل للمخلفات والنفايات حول الكوكب لحظة وعي صادمة لا يُستحسن تجاهلها.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top