تدريبات للأسطول الشمالي الروسي في بحر بارنتس على التصدي للسفن الأجنبية


على خطى ترمب… نيكولا ساركوزي في دوامة المحاكمات المتواصلة

في الأيام القليلة الماضية، ملأت أخبار الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (2007 – 2012) شاشات التلفزة وصفحات الجرائد: مقابلة مطولة لصحيفة «لو فيغارو» اليمينية ثم للقناة الأولى للتلفزيون الفرنسي، مقالات مسهبة في غالبية الصحف والمجلات والمواقع بمناسبة صدور كتابه «زمن المعارك» عن دار «فايار» الذي يروي فيه سنوات ولايته الثلاث الأخيرة، تصريحات صحافية تركزت حول أوكرانيا وروسيا والتي أثارت جدلاً واسعاً لأنها تعبر عن مواقف مخالفة تماماً لحال السياسة الغربية اليوم إزاء موسكو وكييف، انتقادات مبطنة لسياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، وأخيراً تقريظ لوزير الداخلية جيرالد دارمانان، مدير حملته الانتخابية في عام 2012 واعتباره أفضل مرشح لليمين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2027.

وآخر ما استجد أمس بإعلان جان فرنسوا بونيرت، المدعي العام المختص بالشؤون المالية، مثول ساركوزي للمحاكمة في إطار الاتهامات الموجهة إليه رسمياً بخصوص حصوله على تمويل ليبي لحملته الانتخابية الظافرة في عام 2007. وأكد المدعي العام أن جلسة أولى للنظر في القضية ستحصل يوم السابع من مارس (آذار) من العام المقبل، على أن تجرى المحاكمة لمدة 4 أشهر بداية عام 2025. وجاء قرار إرسال ساركوزي إلى المحاكمة أمام المحكمة الجنائية في باريس من قاضيين وافقا على الطلب المقدم سابقاً من المدعي العام وبالاتهامات نفسها المسوقة ضد الرئيس الأسبق، والتي تتناول الفساد السلبي وتشكيل عصابة إجرامية وتمويلاً غير قانوني للحملة الانتخابية وإخفاء اختلاس أموال عامة ليبية.

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي خلال حفل توقيع على كتاب له في جنوب فرنسا الجمعة (أ.ف.ب)

ولن يكون ساركوزي وحده في قفص الاتهام بل سيمثل إلى جانبه 12 شخصاً، بينهم ثلاثة وزراء سابقين في عهده هم: كلود غيان، مدير مكتبه عندما كان وزيراً للداخلية قبل عام 2007 ولاحقا أميناً عاماً للرئاسة فوزيراً للداخلية، وبريس أورنفو، وزير الداخلية الآخر، وأريك وورث، أمين صندوق حملته الرئاسية الأولى. وسيمثل، إلى جانب الثلاثة، رجل الأعمال اللبناني – الفرنسي زياد تقي الدين ونظيره رجل الأعمال الجزائري – الفرنسي إسكندر الجوهري، وآخرون من المقربين من ساركوزي، ما سيمثل إحدى أكبر المحاكمات التي تتناول رئيساً سابقاً للجمهورية.

كثيرة نقاط التشابه بين ساركوزي والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي مثل أول من أمس أمام محكمة في ولاية جيورجيا. فالرجلان ملاحقان بمجموعة تهم وكلاهما تحول إلى ضيف شبه دائم للمحاكم. ففي عام 2021، حكم على ساركوزي بالسجن ثلاث سنوات، من بينها عامان مع وقف التنفيذ في الملف المسمى «أزيبير – بيسموث». وأكدت محكمة الاستئناف حكم محكمة البداية في جلستها المنعقدة بتاريخ 17 مايو (أيار) الماضي.

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي في طرابلس في 25 يوليو 2007 (أ.ب)

وأزيبير هو قاض رفيع سعى ساركوزي ومحاميه، من خلاله، إلى التعرف على مسار ملف قضائي آخر يخص الرئيس الأسبق بإغراء القاضي في محكمة التمييز «أزيبير» بمنصب في إمارة موناكو مقابل تزويدهما بمعلومات يمنع القانون إفشاءها تحت طائلة العقوبة. والطريف في القضية أن محامي ساركوزي في هذه القضية واسمه تييري هرتزوغ كان يتواصل مع موكله خلسة بواسطة هاتف وفره له باسم «بول بيسموث»، وهو مواطن فرنسي كان يعيش في إسرائيل.

وفي 30 سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، صدر بحق ساركوزي حكم بالسجن لمدة عام عن محكمة البداية في باريس فيما يسمى «قضية بغماليون»، وفحواها تزوير حسابات حملة الرئيس الأسبق لعام 2012، حيث تخطت مصاريفها الفعلية ضعف ما هو مسموح به (ما يزيد على 22 مليون يورو). ومثل إلى جانبه 12 شخصاً من كبار مسؤولي الحملة المذكورة، وصدرت بحقهم أحكام متفاوتة، كل بحسب دوره في عملية التزوير الواسعة. ومن المنتظر أن تعاد المحاكمة، ولكن هذه المرة أمام محكمة الاستئناف في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

لا تتوقف الأمور عند هذا الحد. فالقضاء يربط بين ساركوزي وبين ما يسمى «فضيحة كراتشي» الخاصة بالحصول على عمولات ضخمة من عملية بيع غواصات لباكستان في الفترة التي كان فيها الأخير وزيراً للمالية في حكومة إدوار بالادور في عام 1995. وقد تم استجواب الرئيس الأسبق في عام 2017 وترك من غير توجيه اتهامات رسمية إليه. كذلك، فإنه معني، إلى حد ما، بالفضيحة المسماة «ريسو غارانتيا» الروسية، وفحواها أن القضاء يتساءل عن أسباب حصول ساركوزي على تحويل مالي من نصف مليون يورو، بداية عام 2020، وما إذا كان يعمل لصالحها رسمياً، وهو أمر متاح، أم أنه عمد إلى استغلال مناصبه السابقة للقيام بعملية «تأثير» لصالح أثرياء روس وهو ما يمنعه القانون. ثم إن ساركوزي استفاد من حصانته الدستورية في قضيتين رئيسيتين هما التحكيم الغامض لصالح رجل الأعمال والوزير الأسبق برنار تابي في خلافه مع الدولة الفرنسية. والثانية تتناول مجموعة من استطلاعات الرأي التي أجريت لصالح الإليزيه من غير احترام شروط التنافس والطرق الشرعية.

الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي خلال حفل توقيع على كتاب له في جنوب فرنسا الجمعة (د.ب.أ)

كل ما سبق يمكن اعتباره قضايا ثانوية إزاء قضية التمويل الليبي. ومن المفيد التذكير بأن ساركوزي أقام علاقة جيدة مع العقيد القذافي بعد وصوله إلى قصر الإليزيه؛ إذ دعاه لزيارة فرنسا رسمياً، وقام الأخير بنصب خيمته الشهيرة في حديقة قصر الضيافة الرسمي الواقع قبالة قصر الإليزيه. وقبلها، تجاوب القذافي مع رغبة ساركوزي بالحصول على الإفراج عن الممرضات البلغاريات وطبيب فلسطيني صدرت بحقهم أحكام بالإعدام لدورهم المفترض في نقل فيروس الإيدز لمئات الأطفال الليبيين في بنغازي.

لكن العلاقات بين الطرفين ساءت ولعب ساركوزي دوراً رائداً في دفع الغرب للتدخل العسكري في ليبيا في عام 2011 الذي انتهى بمقتل القذافي. بيد أن فضيحة التمويل تعود للفترة التي كان ساركوزي يشغل فيها وزارة الداخلية إبان ولاية الرئيس جاك شيراك الثانية.

اندلعت الفضيحة في عام 2012 عندما نشرت المجلة الاستقصائية «ميديا بارت» «وثيقة» تفيد بوجود اتفاق بين محيط القذافي والمقربين من ساركوزي لتقديم مبلغ 50 مليون دولار للمرشح الرئاسي. ولاحقاً، طالب سيف الإسلام القذافي ساركوزي برد الأموال التي حصل عليها من الشعب الليبي، وذلك في عز المعارك التي كانت جارية على التراب الليبي وتدخل الطائرات الأطلسية. ومنذ البداية، اعتبر ساركوزي أن الوثيقة «مزيفة»، وقال مؤخراً إن أنصار القذافي سعوا للانتقام منه «بسبب الدور» الذي لعبه في الإطاحة بالزعيم الليبي.

حقيقة الأمر أن القضية بالغة التعقيد والحساسية، وتتداخل فيها أنشطة مخابراتية واختفاء أشخاص وضغوط، وتدخل عملاء بين الطرفين وأبرزهم زياد تقي الدين، الفار حالياً إلى لبنان لتجنب مثوله أمام القضاء الفرنسي. وكان تقي الدين أكد قبل أن يغير روايته مرات عدة، أنه سلم بين نهاية 2006 ومطلع 2007، 5 ملايين يورو إلى ساركوزي عندما كان وزيراً للداخلية، وإلى مدير مكتبه كلود غيان نقلها بحقائب من ليبيا وفي طائرات خاصة.

وسعى ساركوزي ومحاموه إلى نسف الدعوى من أساسها عن طريق رفع السدود القانونية بوجهها، وذلك خلال السنوات العشر الماضية. إلا أن كل جهودهم باءت بالفشل وجاءت الضربة القاضية من قضاة التحقيق المكلفين بالقضية الذين أيدوا رأي النيابة المالية العامة القائل إن ساركوزي «كان على اطلاع تام» على ما قام به مقربون منه في هذه المسألة.

وكان التحقيق قد فُتح في أبريل (نيسان) 2013 استناداً إلى اتهامات شخصيات ليبية ظهرت اعتباراً من 2011 وادعاءات لتقي الدين ووثيقة «ميديا بارت» التي نشرت بين دورتي الانتخابات الرئاسية في 2012 التي خسرها ساركوزي وفاز بها الرئيس الأسبق الاشتراكي فرنسوا هولاند. وكانت محكمة التمييز قد قضت، نهاية عام 2021، على آمال ساركوزي بدفن القضية عندما رفعت آخر الاعتراضات الإجرائية التي تلطى وراءها فريق المحامين لمنع المحاكمة.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top