«المخضرمون».. إثراء متجدد للدراما اللبنانية
بيروت: هناء توبي
تعالت أصوات الفنانين اللبنانيين المخضرمين اعتراضاً على تهميش أدوارهم وإقصائهم عن الساحة الفنية لتقدمهم في السّن، وبالتزامن مع الظاهرة القديمة، المتجددة والتي تتمثل في نجاح الأعمال المصرية التي تجمع أجيالاً متعددة في بوتقة واحدة، مثل مسلسل «ليالي الحلمية» في أجزاءه المتعددة التي بدأت منذ عام 1987 وحتى 1995 والتي استمر صدى نجاحها لسنوات، ثم توالت أعمال عدة تجمع بين فئات عمرية متنوعة. ويبدو أن العدوى انتقلت أخيراً، إلى لبنان حيث تنبّه صناع الدراما في لبنان، بخاصة المنتج صادق الصباح، نائب رئيس مجلس اتحاد المنتجين العرب ورئيس المجلس في لبنان، إلى ضرورة إعطاء مساحات وافية للفنانين المخضرمين للارتقاء بالأعمال الفنية من خلالهم، وإنتاج أعمال فنية متكاملة العناصر، يجتمع فيها الرواد والمؤسسون والشباب، أبرزها «الهيبة» بأجزائه الخمسة التي شارك فيها الكبار، أمثال منى واصف، وجوزيف بو نصار، وكذلك «النار بالنار» الذي شارك فيه الفنان أحمد قعبور، وغيرهما من الأعمال التي نجحت بفضل المزج بين فئات عمرية متفاوتة.
في هذا السياق شهدنا في الآونة الأخيرة نجاح الممثل المخضرم احمد الزين في مسلسلات «للموت»، و«ظل المطر»، و«مرايا الزمن»، التي بيّنت قدرات الفنان الملقب «بابن البلد»، رغم تقدمه في السّن، ويقول انه بعد 57 سنة من العمل لا يمكنه التخلي عن التمثيل، ويتابع «أنا عاشق للفن واختار المشاركة في العمل المميز، ولا يهمني الظهور في مجموعة أعمال خلال العام الواحد، بل يكفيني المشاركة في عمل دسم».
كما تؤكد الفنانة المخضرمة رندة كعدي، حرصها على حجز مقعد لها في الدراما اليوم، كما في الأمس، بخاصة في شهر رمضان، وتقول: «حيث ترتفع نسبة المشاهدة وأحلّ ضيفة على العائلات اللبنانية والعربية التي تنتظرنا من مسلسل إلى آخر.. لقد تلمست وفاء الجمهور لي من خلال مسلسل «للموت» الذي لعبت فيه دوراً جديداً بالنسبة إلي، فقد جسدت وعلى غير عادتي دور المرأة العاشقة بإشراف المخرج فيليب أسمر الذي زين أدائي، وجعلني أخرج من عباءة الأم التي جسدتها مراراً، ورغم أني نوعت في أدائي للأم، لكنني كنت بحاجة للخروج منها قليلاً، وآمل أن أظل حاضرة لأنني ما زلت شغوفة بالتمثيل، ويحزنني أن أغيب».
كبار وشباب
من جهته، الفنان المؤسس للدراما اللبنانية والأكاديمي عمر ميقاتي، شرّح العلاقة بين الفنانين المخضرمين وشركات الإنتاج، مشيراً إلى ارتباط الكبار في السن بمدير الإنتاج، وليس بالمنتج مباشرة، على عكس الفنانين الشباب الذين تعقد معهم اتفاقيات لسنوات من العمل على اعتبارهم أسماء «تبيع العمل، أو تسوق له، وهذه طبيعة «البزنس»، أما نحن الكبار فيتم الاتفاق معنا على عمل محدد ودور محدود»، ويتابع «نحن كنا سابقاً نجوم العمل وأبطالاً أُول، لكن اليوم يأتي الدور لغيرنا وللطاقات الجديدة، المهم أن نحافظ على حضورنا بالطريقة التي تليق بنا».
ورداً على سؤال عن كونه راضياً عن الأدوار التي يلعبها، قال ميقاتي: أنا موجود وفي مكان جيد، حيث اختار التعامل مع المنتج الذي ارتاح له، والنص الذي أجده مهماً، والمخرج الذي يفهمني ويقدّرني، بخاصة المخرج ايلي حبيب، الذي تعاملت معه منذ عام 2005 في «ابنة المعلم»، الذي نجح، وعلّم، وترك أثره، كذلك أنا موجود في المسرح، وكتبت عملاً مسرحياً أشارك فيه تمثيلياً، مع المخرج قاسم اسطنبولي وهو قيد التنفيذ، وأؤمن بأن الفنان يظل معطاء لآخر رمق في حياته، ومن الجائر أن تتم تنحيته، أو يتم الإجحاف بحقوقه المادية، فالمخضرم يضيف للعمل، ويتم تبادل الخبرات بينه وبين الجيل الجديد، حتى يسلّم مشعل النور الذي حمله منذ البدايات.
أمر ضروري
اعتبر د. جمال فياض، الإعلامي والناقد الفني وعضو اتحاد المنتجين العرب، أن حضور الفنانين المخضرمين أمر ضروري، وطبيعي في الدراما، وإذا كان حضورهم في السينما العالمية والشاشة الذهبية محفوظاً دائماً، ونجدهم ضيوف شرف لأنهم يعطون إضافة للعمل، وعامل جذب للمشاهد، فكيف الحال في الشاشة الفضية؟ إنهم بلا شك زينة الدراما.
وقال: في لبنان تندرج أسماء كبيرة ضمن هذا التوجه، وفي الآونة الأخيرة يتم العمل على تعزيز هذه الظاهرة، حتى أننا حرصنا في اجتماعنا الأجير في اتحاد المنتجين في لبنان، برئاسة المنتج صادق الصباح، على ضرورة إشراك كل الفنانين المخضرمين في الأعمال، بصفتهم الرابط القوي بين الأجيال المتنوعة من المشاهدين، ولأن الجمهور ينتمي إلى فئات عمرية متنوعة، بعضها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخضرمين الذين يشكلون عامل جذب للمشاهدة، بخاصة من جهة جيلنا، والجيل الذي شهد على براعة المخضرمين، وهم في عز عطائهم، ومن دون شك الأوائل يزيدون من ثقل العمل، فلو نظرنا إلى الجزء الثاني من مسلسل الهيبة «حيث سجل حضور الفنان الكبير عبد المجيد مجذوب إضافة كبيرة للعمل، وجذب الجمهور بأدائه المتقن واحترافه العالي، وكذلك الفنان المؤسس للدراما صلاح تيزاني حضر بقوة في مسلسل «فرج ورحمة»، مع القديرين منير كسروني، ووفاء شرارة، وغيرهما، وكذلك الفنان جهاد الأطرش صاحب تاريخ عريق وجوائز لا تحصى شارك في «والتقينا»، وحلّ ضيف شرف في «أساطير في قادم الزمان»، وأبدع، وكذلك الفنان فؤاد شرف الدين شارك في «العين بالعين» وكان حضوره مشوقاً، والأسماء اللامعة الذهبية كثيرة جداً، ولا يمكن حصرها، لكن المهم أن التوجه للاستعانة بهم وعدم الاكتفاء بالنجوم الشباب، والبعد عن التصنع من خلال تكبير الصغار، وإلباسهم أدوار الكبار في السن، وعمل شيبة اصطناعية، وتجاعيد الوجه، أو انحناءة الأكتاف سيساهم في مصداقية الدراما وتطورها ومحاكاتها للواقع الذي يكون فيه الجد والجدة والأم والأب والأبناء جميعهم حاضرون ضمن سياق درامي واقعي.