مواجهات عنيفة في الخرطوم وتبادل قصف مدفعي وجوي


من يتحمل مسؤولية جمود العملية السياسية في ليبيا؟

يتخوف سياسيون ليبيون من دخول أزمة بلادهم «نفقاً مظلماً»، إذا لم يتم التوصّل إلى توافق بين القوى الفاعلة في البلاد بشأن قانونَي الانتخابات الرئاسية والنيابية المُنتظرة، متسائلين عن الجهة التي تتحمل مسؤولية جمود العملية السياسية، وإضاعة فرصة ثانية لإجراء الاستحقاق العام.

صالح ملتقياً في لقاء سابق عدداً من أعضاء مجلس النواب (المكتب الإعلامي لصالح)

وفي حين تتصاعد الاتهامات بين مؤيدين لرئيسَي مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة»، عقيلة صالح ومحمد تكالة، بتحميل كل طرف مسؤولية «وضع عراقيل» تحُول دون إتمام المسار الانتخابي، تشير مصادر ليبية إلى احتمالية لقائهما بالقاهرة خلال الأيام المقبلة لمناقشة «النقاط الخلافية» حول قانونَي الانتخابات، لكن دون تأكيد حتى الآن.

وبجانب ما عدّته البعثة الأممية إلى ليبيا «نقاطاً خلافية» في قانونَي الانتخابات، توجد خلافات عميقة أيضاً بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة»، حيث يعترض الأخير على التعديلات التي أُدخلت على القوانين الانتخابية التي أقرها مجلس النواب، ويصر على أن النسخة الموقّعة في بوزنيقة المغربية، هي التي ينبغي أن تُعتمد.

المبعوث الأممي عبد الله باتيلي (المكتب الإعلامي للبعثة)

ويرى عبد الله باتيلي المبعوث الأممي، أن رفض المجلس الأعلى للدولة التعديلات التي أدخلتها لجنة (6 + 6) بعد لقاء بوزنيقة «يشكل خياراً سياسياً يعرّض للخطر كل المكاسب التي حققها المجلسان والحلول الوسط التي توصلا إليها بشق الأنفس».

وسط هذه الجدلية الممتدة بين المجلسين، منذ تأجيل الانتخابات في المرة الأولى عام 2021 لأسباب عديدة، لا يبرئ محللون ليبيون، الدول المتداخلة في الأزمة من «عرقلة التوجه نحو الانتخابات»، وهو ما يعتقده رمضان التويجر، الباحث والقانوني الليبي، مشيراً إلى أن «التجاذبات والصراعات الدولية» هي ما أدت إلى «عدم وجود أي انفراجة بشأن الأزمة الراهنة».

صالح مستقبلاً في مكتبه ببنغازي المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي والسفير الفرنسي لدى ليبيا (المكتب الإعلامي لصالح)

وتتداخل دول عدة عربية وأوروبية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، في الأزمة الليبية منذ رحيل نظام الرئيس الراحل معمر القذافي قبل 12 عاماً، ويذهب سياسيون ليبيون إلى أن هذه التداخلات، تستهدف في جانب منها «دعم أطراف داخلية موالية لهذه القوى الخارجية، والتمكين لها، وهو ما يعرقل سبل الحل عادة».

ويرى التويجر، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، أن «هذه الحالة التي عليها ليبيا من الجمود السياسي كانت متوقعة منذ اتفاق الصخيرات الذي وُقع بالمغرب في نهاية 2015، وفي ظل النظام السياسي القائم». وأضاف: «حالة الصراع الدائرة في العالم حول مَن يفرض هيمنته أكثر، أسهمت في ذلك، وأتصور أن يستمر هذا الوضع حتى تظهر معالم هذا العالم».

الباحث والقانوني الليبي رمضان التويجر (الشرق الأوسط)

ولم يغفل التويجر وجود أسباب داخلية أيضاً وراء تعقد الحل، غير أنه يرى أن دور الأطراف الليبية «ليس محورياً في الأزمة»، مستبعداً من وجهة نظره أن تكون الأزمة قانونية.

واللقاء المرتقب لصالح وتكالة في القاهرة، سبقته لقاءات عدة بين الأول وخالد المشري، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، بعضها في المغرب وبعضها في القاهرة، لكن جميعها لم تنجح في إنهاء الإشكال المُعقد حول الأزمة الراهنة.

وعلى عكس ما ذهب إليه التويجر، يرى سياسيون ليبيون أن السبب المباشر للجمود الذي تعانيه ليبيا يتمثل في «تعنت مجلسَي النواب و الدولة، وتمسك كل منهما بديباجة قانونَي الانتخابات، فضلاً عما يطالب به باتيلي أيضاً من قوانين انتخابية قابلة للتنفيذ من الناحيتين الفنية والسياسية».

وسبق وكرر باتيلي هذه المطالب في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقال إن قانونَي الانتخابات الجديدين «يسترعيان عدداً من الملاحظات».

ورأى باتيلي أن هناك «بعض القضايا المثيرة للجدل» تحتاج حلاً، من بينها إلزامية الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، خلافاً للممارسة المتعارف عليها. ويتطلب هذا النص من المرشحَين الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية خوض جولة الإعادة، بغض النظر عن الأصوات التي حصلا عليها. وقال باتيلي: «هذا مرتبط بشروط الترشح، ويبيّن عمق انعدام الثقة بين الطبقة السياسية. ومن الممكن أن يُساء استخدامه لاستبعاد المرشحَين من الجولة الثانية، والتشكيك في نتيجة الأغلبية المحتملة، وتعطيل العملية الانتخابية برمتها».

وتحدث باتيلي، عن «الربط بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية». ويرى إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في اليوم نفسه، ويعتقد بأن «إخضاع صحة الانتخابات البرلمانية لصحة الانتخابات الرئاسية ناجم عن اعتبارات سياسية غير معلنة، ويعرّض العملية لخطر التعطيل».

وينوه المبعوث الأممي بأن تشكيل «حكومة جديدة» في ليبيا يعدّ «قضية خلافية إلى حد كبير، ولا يمكن أن تأتي إلا نتيجة تفاوض بين أصحاب الشأن الرئيسيين. فضلاً عن ذلك، من المنطقي أن إتاحة فرص متكافئة للمرشحين جميعاً تستلزم حكومة موحدة تتمتع بثقة الشعب لقيادة البلاد إلى الانتخابات».

رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش مستقبلاً تكالة الثلاثاء الماضي (المكتب الإعلامي لمجلس الدولة)

وفي ظل التعنت بين المجلسين، تمسكت لجنة إعداد القوانين الانتخابية «6 + 6» المنبثقة منهما، بموقفها، بأن نسخة قوانين الانتخابات المحالة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات «نهائية ولم يقع فيها أي تغيير أو زيادة أو نقصان»، منوهة بأن التعديلات التي أجرتها على تلك النسخة «لم تمس جوهر الاتفاق أو الأساس الذي بنيت عليه التوافقات الخاصة بالمسائل الخلافية».



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top