صحراء كوبوتشي الصينية..من بحر الموت إلى واحة الحياة



بكين / وام

تغطي الصحارى ما مجموعة 28 % من أراضي الصين، إذ تحتوي البلاد على ما مجموعه 8 صحارى كبرى و4 أراض رملية، حيث تعد صحراء كوبوتشي سابع أكبر صحارى الصين، والتي باتت تعرف بمعجزة الصين الأيكولوجية، بعد قصة التحول التي حدثت فيها خلال السنوات الماضية.

وتقع صحراء كوبوتشي في مدينة أوردوس بمنطقة منغوليا الداخلية في شمال الصين، وتبلغ مساحتها الإجمالية 18600 كيلومتر مربع، حيث كانت قبل ثلاثة عقود أرضاً قاحلة تعرف باسم «بحر الموت»، فقد عانت المنطقة من تصحّر عنيف بفعل التغيّر المناخي، وهو ما قضى على مقوّمات الحياة وجعل العيش فيها مهمّة شبه مستحيلة، كونها أيضاً ممراً للعواصف الحارّة التي تنقل معها كميات هائلة من الرمال، والتي مثّلت قلقاً لسكّان العاصمة الصينية أيضاً.

وواجهت الصحراء تحديات إضافية، تمثلت في نقص الموارد المائية وتدهور البيئة الأيكولوجية وتدفّق الجليد عبر الروافد العليا للنهر الأصفر عبر راية هانغجين في منطقة منغوليا الداخلية، مما اضطر العديد من سكّان كوبوتشي إلى الانتقال إلى مكان آخر بحثاً عن حياة أفضل.

ومن أجل مواجهة هذه الصعوبات وفي إطار سياسة الصين لمكافحة التصحّر والتغير المناخي وبناء حزام إيكولوجي، بدأت راية هانغجين مشروعاً طموحاً لإعادة بناء الحزام الأيكولوجي لصحراء كوبوتشي على طول النهر الأصفر، والذي تمثّل في إنشاء قنوات لتحويل المياه وبناء السدود، وتحويل مياه الفيضان الجليدي للنهر الأصفر للاستفادة منها في صحراء كوبوتشي.

وتكللت جهود الحكومة في المنطقة بالنجاح، فقد تشكّلت في قلب الصحراء أرض رطبة تقارب مساحتها 100 كيلومتر مربع، مع استعادة الغطاء النباتي لأكثر من 20 نوعاً من النباتات، كما استقرّت أكثر من 10 أنواع من الطيور المائية للعيش في هذه الأرض الرطبة. وهو ما أعطى فرصة للمزارعين والرعاة لممارسة نشاطات التربية والزراعة حولها، لزيادة دخلهم وتنويع مصادرهم.

وشملت سياسات الحكومة المحليّة أيضاً توزيع الأراضي القاحلة على العائلات في كوبوتشي، وتوزيع المزروعات والأشجار، واعتمدت سياسة تمليك الأراضي لمن يزرعها ويعتني بها، مع ضمان حق التوريث. وهو ما شجّع المزيد من العائلات على خوض غمار التجربة، والالتحاق بجهود الحكومة في التحكم في زحف الرمال وكتابة مستقبل أفضل لأبناء المنطقة.

اليوم الخميس، وبعد ثلاثة عقود من التضحيات والعمل الدؤوب، تم بناء نظام أيكولوجي في ثلث صحراء كوبوتشي، شمل استعادة الغطاء النباتي والحيوانات وإمدادات المياه. وباتت كوبوتشي اليوم الخميس مقصداً سياحياً شهيراً، يقصده الزوار من داخل الصين وخارجها للاستمتاع بإحدى المعجزات العالمية.

وتعد صحراء كوبوتشي نموذجاً من جهود الصين في مكافحة التغيّر المناخي، حيث تمتد هذه الجهود لتشمل إنشاء أكبر نظام لنقل المياه في تاريخ البشرية، وتوسيع ورفع ما يقرب من 6000 ميل من الجدران البحرية على طول سواحلها، وبناء احتياطي استراتيجي من الحبوب، ونحت أحواض الفيضانات في الأراضي الرطبة في مراكز أكبر مدنها، واستعادة الأراضي الرطبة الساحلية لتكون بمثابة حواجز ضد العواصف، ونقل مئات الآلاف من «المهاجرين البيئيين» إلى المناطق المنخفضة.

وبناءً على الإحصاءات الصادرة في تقرير وزارة الأيكولوجيا والبيئة الصينية في عام 2021، انخفضت كثافة الكربون في الصين بنسبة 3.8 في المئة و50.8 في المئة عن المستوى في عامي 2020 و2005 على التوالي، وارتفعت حصة الوقود غير الأحفوري في استهلاك الطاقة الأولية إلى 16.6 في المئة، وزاد توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية مجتمعة إلى 635 مليون كيلووات، وانخفض استهلاك الفحم لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير، وارتفعت مساحة الغابات ومخزونها على مدى السنوات الثلاثين الماضية على التوالي.

وبحلول الذكرى السنوية الأولى لنظام تجارة الكربون الوطني، بلغ الحجم التراكمي لبدلات انبعاثات الكربون (CEA) 194 مليون طن، وبلغ حجم التداول التراكمي 8.492 مليار يوان صيني.

وبحلول عام 2030، تسعى الصين إلى تحقيق التزاماتها الوطنية للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، مع تخفيض كثافة الكربون لكل وِحدة من الناتج المحلي الإجمالي ب 65 % عن مستوى عام 2005، كما تهدف إلى الوصول إلى أكثر من 1200 جيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية المركبة، ووصول حصة الوقود غير الأحفوري في استهلاك الطاقة الأولية إلى 25% بحلول عام 2030، مع الأمل في زيادة مخزون الغابات في البلاد عن مستوى عام 2005 ب 6 مليارات متر مكعب بحلول عام 2030.

وذكر تقرير آخر صادر عن وزارة الأيكولوجيا والبيئة الصينية أنّ الصين طوّرت بشكل فعّال التجمعات الصناعية الناشئة في مجالات الطاقة الجديدة ومركبات الطاقة الجديدة والقطاعات الخضراء والصديقة للبيئة بشكل مطّرد، ودعمت تنمية الصناعات الخضراء والمنخفضة الكربون وعالية الجودة، وأقامت نظام تصنيع صديقاً للبيئة.

وقال التقرير إنه في عام 2021، شهد قطاع التصنيع عالي التقنية نمواً ملحوظاً وارتفعت قيمته المضافة بنسبة 18.2 في المئة على أساس سنوي، وهو ما يمثل 15.1 في المئة من إجمالي الصناعات فوق الحجم المحدد. وبلغ إنتاج مركبات الطاقة الجديدة 3.677 مليون وحدة، بزيادة 152.5 في المئة عن العام السابق. ويبلغ إنتاج الوحدات الكهروضوئية حوالي 182 جيغاوات، لتتصدر العالم لمدة 15 عاماً متتالية. كما تم إطلاق ما مجموعه 662 مصنعاً أخضر، و989 منتجاً للتصميم الأخضر، و52 منطقة صناعية خضراء، و107 شركات سلسلة توريد خضراء.

وشهدت الصين ارتفاعاً في إيرادات التشغيل لمؤسسات الخدمات الاستراتيجية الناشئة بنسبة 16.0 في المئة، كما ارتفع الاستثمار في صناعات التكنولوجيا الفائقة بنسبة 17.1 في المئة مقارنة بالعام السابق. وبالإضافة إلى ذلك، وسعت الصين برنامجها لإصدار شهادات المنتجات الخضراء ليشمل ما يقرب من 90 فئة منتجات من مواد البناء والتعبئة السريعة والمنتجات الكهربائية والإلكترونية والمنتجات البلاستيكية إلى المنظفات، وأصدرت ما يقرب من 20 ألف شهادة موحدة لإصدار شهادات المنتجات الخضراء لأكثر من 2000 شركة.

وتنظر الصين باهتمام كبير إلى مخرجات الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، حيث عبّرت الحكومة الصينية عن دعمها لما سيناقش خلالها.

وتأمل الصين أن تدعم القمة التعددية بقوة، وأن تركز على التنفيذ، وترسل إشارة إيجابية إلى المجتمع الدولي بشأن التعاون في الاستجابة لتغير المناخ من خلال إجراءات عملية، وتعزيز التنفيذ الشامل والفعال لاتفاق باريس حسبما صرّح به نائب رئيس مجلس الدولة الصيني دينغ شوي شيانغ في شهر إبريل الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top