منوعات

«مدام بترفلاي» تحلّق بجمهور دبي في سماء الرومانسية والإبداع



دبي: مها عادل
يقدم عرض «مدام بترفلاي» الذي استضافته دبي أوبرا، الثلاثاء، تجسيداً مذهلاً لقدرة الفنون الراقية على التواصل بين الثقافات والمشاعر الإنسانية وعبور الحدود بين الدول والقارات والأزمنة؛ فالأوبرا الشهيرة ألفها الموسيقار الإيطالي جياكومو بوتشيني في بداية القرن العشرين عن قصة للكاتب الأمريكي جون لوثر كنج، وقدمت العرض فرقة الأوبرا المجرية، حيث استقبلها جمهور دبي بحفاوة.

تدور أحداث القصة في اليابان، حيث تعيش الفتاة الفقيرة تشوتشوسان حياة قاسية قبل أن تصبح فتاة «غيشا» وتقع في حب ضابط بحرية أمريكي (كابتن بنكرتون) ويقرر الزواج بها، ثم تتطور القصة في اتجاهات متعددة لتصنع دراما يصفها نقاد فن الأوبرا بأنها «النموذج الكلاسيكي للعاطفة المفرطة والألم الفاجع، ويقدم نموذج البطلة الهشّة الضعيفة الرقيقة القابلة للكسر»، وتتلاعب مشاعر البطلة وسذاجتها بها، لدرجة تحول مشاعرها وإخلاصها لحبها إلى ما يشبه «الفراشة» المتجهة إلى النور، وتجهل أنها سوف تحترق، لكن عندما تضربها الخيانة بقوة وتصدمها، يتحتم على مدام «بترفلاي» أن تتحمل العار والحزن معاً، وتقرر أن تأخذ مصيرها بين يديها، ما يؤدي إلى واحد من أكثر المشاهد الأسطورية تراجيديا في العمل الأوبرالي.

وتلعب الموسيقى الحية دوراً مهماً في صناعة الأحداث والتعبير عنها داخل العرض الذي امتد لأكثر من 3 ساعات، خاصة في المناطق المفصلية التي تتغير فيها الأحداث بصورة متلاحقة، فتلهث معها الموسيقى السريعة والآلات النحاسية الصاخبة، بينما يتغير الإيقاع في المراحل التي يحدث فيها تكثيف للمشاعر الإنسانية خاصة في الحوار الغنائي البديع الذي يدور بين فتاة الغيشا التي أصبحت عروساً للكابتن الأمريكي الوسيم وبين القنصل الأمريكي في ناجازاكي حيث ينقلنا الغناء والموسيقى عبر «فلاش باك» إلى ماضي هذه الفتاة الرقيقة كالفراشة، ويستخدم الموسيقار بوتشيني نغمات مؤثرة حزينة لتعبر عن حياة الفقر الشديد التي عاشتها مع أسرتها ما دفعها إلى احتراف الموسيقى والغناء والتحول إلى «فتاة غيشا».

ويحسب للفرقة المجرية أنها نجحت في الاستفادة من الإمكانات الكبيرة التي يوفرها مسرح دبي أوبرا للمؤثرات البصرية والإضاءة والديكور، فشهدت مناظر العرض تنوعاً بديعاً خاصة في الديكورات التي تعبر عن الثقافة اليابانية في بداية القرن العشرين، وبساطة وسهولة تغيير وتحول الديكور من البساطة الملائكية في غرفة البطلة الرقيقة إلى الفخامة الأسطورية في مشهد حفل الزفاف، ولعبت هذه المؤثرات البصرية دوراً مهماً في تطور الأحداث مع الموسيقى والأداء وحركة الممثلين على خشبة المسرح في بعض المشاهد.

ورغم أن العرض يقوم ببطولته عدد محدود من الممثلين، إلا أن توزيع الديكور نجح في أن يملأ فراغ المسرح ويلائم حركة الشخصيات بشكل ينقل المشاهد داخل الأحداث ويوحد مشاعر الجمهور مع فصول القصة حتى يصل العرض إلى ذروته الفنية والإنسانية عندما يعقد القنصل الأمريكي المقارنة بين طبيعة الحب عند الشرقيين الذي يتصف بالعاطفة الحساسة والإخلاص والمشاعر الجارفة، وعند الغربيين، حيث تسود الصيغة العملية البراغماتية، وتغلف المشاعر فتقيد انطلاقها، أما نهاية الأوبرا الدرامية العاصفة فتهدر فيها الأوركسترا بواحد من أجمل الألحان المؤثرة، التي تضع المشاهدين في طوفان من المشاعر الجياشة والانفعالات الجامحة.

أما الإضاءة؛ فقد تم اختيار ألوانها بدقة لتتناغم مع المواقف والمشاهد وتعبر عن حالة ومشاعر الأبطال، فكان الأحمر معبراً عن الغضب، والأزرق للرومانسية والسلام والأبيض للصفاء، والأصفر لحالات الترقب.

ومن الإضافات الجيدة التي ساهمت في تحقيق التفاعل بين الجمهور والفنانين على المسرح وجود لوحة للترجمة إلى الإنجليزية تفسر الحوارات وكلمات الغناء الأوبرالي إلى كل الحضور من مختلف الجنسيات والأعمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى