«حماس» لا تزال تسعى إلى اتفاق


أثار مقتل عدد من أبناء وأحفاد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في غارة إسرائيلية بقطاع غزة (الأربعاء)، مخاوف بشأن تعقّد مفاوضات الهدنة التي تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة، لا سيما بعد انتهاء مهلة الـ48 ساعة التي حددتها القاهرة لاستئناف المباحثات، دون رد رسمي من «حماس» أو إسرائيل على المقترح الأميركي بشأن الهدنة التي طال انتظارها وسط مخاوف من اتساع رقعة الصراع في ظل تهديدات إيرانية.

وبينما رفض خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، الربط بين مقتل أبناء هنية وسير المفاوضات، أكدوا «صعوبة إتمام الاتفاق لوجود عقبات عدة، وإن لم يكن ذلك مستحيلاً».

ورغم أن حركة «حماس» أعلنت، (الثلاثاء)، أنها «تعكف على دراسة المقترح الذي تسلمته من الوسطاء بشأن اتفاق التهدئة»، مشيرة إلى أنه «لم يستجب لأي من مطالب الشعب الفلسطيني، وأن موقف إسرائيل لا يزال متعنتاً»، فإن الحركة لم تصدر رداً رسمياً بشأن المقترح الأميركي حتى الآن، وإن كانت هناك تسريبات إعلامية تشير إلى «رفضه».

وأكد هنية أن «مقتل أبنائه (الأربعاء) في ضربة في غزة لن يغير شيئاً في شروط الحركة بشأن الهدنة». ولم يصدر عن إسرائيل حتى الآن رد رسمي بشأن المقترح، وإن تم تداول تسريبات إعلامية تتحدث عن «انفتاحها على المفاوضات».

دخان يتصاعد جراء غارة في شمال قطاع غزة في 10 أبريل 2024 (إ.ب.أ)

سير المفاوضات

ولا يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، بأن «مقتل أبناء وأحفاد هنية سيؤثر في سير مفاوضات التهدئة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن حركة (حماس) رفضت الربط بين عملية استهداف أبناء هنية والمفاوضات»، مشيراً إلى أن «المقترح الأميركي بشأن الهدنة لا يزال قيد الدراسة من جانب إسرائيل وحركة (حماس)».

وكانت قناة «القاهرة الإخبارية»، نقلت عن مصدر مصري رفيع المستوى، تأكيده، (الاثنين)، «إحراز تقدم كبير بعد التوصّل إلى اتفاق بين الوفود المشارِكة حول القضايا قيد المناقشة»، مشيراً إلى أنه «سيتم استئناف المباحثات خلال يومين»، لكن حتى الآن لم يُعلن موعد استئناف المفاوضات.

وبشأن عدم استئناف المفاوضات خلال 48 ساعة كما سبق وأعلنت القاهرة، قال الرقب: «ربما تكون ظروف العيد وحادثة اغتيال أبناء هنية سبباً في التأجيل»، متوقعاً أن «يتم الرد على المقترح الأميركي قريباً»، ومشدداً على أنه «لا حديث حتى الآن عن فشل أو إنهاء جولة المفاوضات الأخيرة، ما يعني أن المشاورات لا تزال مستمرة».

ناقلة جند مدرعة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة في 10 أبريل 2024 (رويترز)

هدنة من 6 أسابيع

واستضافت القاهرة، الأحد الماضي، جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين حركة «حماس» وإسرائيل، بحضور ممثلين من قطر والولايات المتحدة وإسرائيل وحركة «حماس». وخلال الجولة عرض مدير المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، مقترحاً أميركياً للتهدئة تم تسليمه إلى حركة «حماس».

وينص المقترح على هدنة من 6 أسابيع يتم خلالها إطلاق سراح 40 رهينة إسرائيلية، في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يومياً، وعودة النازحين من شمال غزة إلى بلداتهم.

من جانبه، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، أنه «من الناحية الاستراتيجية فإن الحرب في غزة ستنتهي في يوم من الأيام»، مشيراً إلى أنه «على الصعيد التكتيكي وما يتعلق بالمفاوضات، فإن هناك 3 أطراف رئيسية هي (حماس)، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأميركية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا التقى الأطراف الثلاثة في نقطة محددة سيكون هناك اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار، وإلا فإن المفاوضات ستظل تسير في حلقة مفرغة».

وأوضح هريدي أن «هناك سيلاً من التسريبات من مصادر مجهّلة تتحدث عن تقدم أحياناً، وصعوبات في أحيان أخرى، ومحاولة لمعالجة نقاط الخلاف، لكن لا أحد يعلم على وجه اليقين مدى دقة هذه التسريبات».

ملصق في بلدة كفر سابا الإسرائيلية يدعو إلى الإفراج عن محتجزين لدى «حماس» في غزة (أ.ف.ب)

40 رهينة

ولم ينفِ مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق «وجود تعقيدات في المفاوضات على مستوى التكتيكات». وقال إن «آخر هذه التعقيدات ما تمّ تسريبه بشأن عدم قدرة حركة (حماس) على توفير 40 رهينة ليتم الإفراج عنهم ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق، ما يضع عائقاً كبيراً أمام إتمام الاتفاق».

وكان مسؤول إسرائيلي ومصدر مطلع على المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس»، قال (الأربعاء)، إن «حركة (حماس) أبلغت الوسطاء بأنها غير قادرة حالياً على تحديد 40 محتجزاً إسرائيلياً تنطبق عليهم الشروط في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار»، بحسب ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

بدوره، أكد النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي السابق، مايكل باتريك مولروي، وهو ضابط متقاعد عمل بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، أن «المفاوضات في موقف صعب للغاية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن عدم قدرة حركة (حماس) على تحديد 40 رهينةً للإفراج عنهم في المرحلة الأولى أحد أهم العوامل التي تزيد من تعقيد المفاوضات»، مشيراً إلى «وجود عقبات أكثر من ذلك، من بينها سعي (حماس) للحصول على ضمانات بشأن عدم استهداف قادتها».

لكن رغم ذلك فإن مولروي لا يزال «متفائلاً» بشأن إمكانية الوصول إلى اتفاق. وقال: «قد يكون الأمر صعباً لكنه ليس مستحيلاً»، مؤكداً «ضرورة التوصل إلى اتفاق من أجل بقية الرهائن والمدنيين الأبرياء في غزة».

فلسطينيون يبحثون بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية في خان يونس (إ.ب.أ)

عدم تقديم تنازلات

وحتى الآن يبدو إصرار «حماس» وإسرائيل على التمسك بموقفيهما، دون تقديم تنازلات، حيث تطالب «حماس» بوقف نهائي لإطلاق النار، وسحب إسرائيل قواتها من كل أنحاء قطاع غزة، وزيادة تدفق المساعدات مقابل إطلاق سراح المحتجزين لديها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بينما تصر إسرائيل على مواصلة الحرب؛ بهدف «القضاء على (حماس)». وتهدّد بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية التي باتت الملاذ الأخير لسكان قطاع غزة.

ويعتقد هريدي بأن «كلا الطرفين (إسرائيل وحماس) لا يرى أن مصلحته وقف الحرب الآن، لأن أيّاً منهما لا يمكنه حتى الآن إعلان الانتصار في المعركة المستمرة منذ 6 أشهر».

وأشار هريدي إلى أن «هناك عاملاً جديداً يزيد من تعقيد المفاوضات، يتعلق بدور (حماس) حال نشوب مواجهة بين إسرائيل وإيران، في ظل تصاعد حدة التهديدات بين تل أبيب وطهران، لا سيما عقب زيارة هنية لطهران الشهر الماضي».

وأكد المرشد الإيراني علي خامنئي (الأربعاء) أن إسرائيل سوف «تنال العقاب» بعد الهجوم الذي نُسب إليها في الأول من أبريل (نيسان) على القنصلية الإيرانية في دمشق. في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، (الخميس)، إن «إسرائيل تواصل حربها في قطاع غزة، لكنها مستعدة أيضاً لسيناريوهات في مناطق أخرى».

أكثر من مليون من سكان غزة فرّوا من الشمال خلال الأشهر الأولى من القتال (أ.ف.ب)

اتفاق مؤقت

وبشأن الموقف الأميركي، قال هريدي إن «إدارة بايدن لديها مصلحة في الوصول إلى اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار، لأسباب داخلية تتعلق بمحاولة الإدارة الأميركية استعادة تأييد الجالية العربية والإسلامية قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، حثّ حركة «حماس» على الرد على المقترح. وقال بايدن، خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض (الأربعاء)، «الأمر يتعلق حالياً بحماس، عليها المضي قدماً بشأن المقترح الذي طُرح». كما طالب بايدن، في مقابلة مع محطة «يونيفيجين» الأميركية الناطقة بالإسبانية بُثّت (الثلاثاء)، إسرائيل «بوقف إطلاق النار، والسماح خلال الأسابيع الستة أو الثمانية المقبلة بالوصول الكامل لجميع المواد الغذائية والأدوية التي تدخل البلاد».



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top